dimanche 18 novembre 2007

حافلة البيضاء 33

عودة ثانية إلى حافلات البيضاء, وبالضبط حافلة رقم 33 الرابطة بين مركز المدينة وحي البرنوصي, لكن هذه المرة الواقعة ليست بتحرش جنسي أو ضبط شاب في وضعية تعاطي المخدرات في مكان عمومي, بل هي قضية من نوع آخر جعلت ركاب الحافلة في حيرة بين التصديق والتكذيب, حالة شتت إحساسهم بين الشفقة والمثل الشعبي القائل" اللي دارها بيديه إيفكها بسنيه".

الساعة آنذاك كانت تشير إلى السابعة مساءا, معظم الركاب يعانون من آثار ضربات شمس الخريف, وعناء العمل الشاق, صمت جاف يطبق على المكان باستثناء المحرك العجوز الذي يطلق آهات ويزفر عبارات من البنزين, عله يجد قلبا يحن لعذابه.

لكن لم يدم هذا الصمت طويلا حتى كسر فجأة وبدون سابق إنذار, بقصة شاب ذي لكنة ليست ببعيدة عن أبناء بني ملال, شاب لزال في مقتبل العمر, أنيق الملبس, لكن العياء لم يتردد لحظة في بصم آثاره على محياه, لم يتوقع أحد من الركاب أن الشاب سيسعى إلى مد يديه إليهم لمساعدته في العودة إلى دياره, حيث تبين من خلال سرده لقصته المفجعة, أنه كان يعيش بالديار الإسبانية التي تمكن من قطع البحر الأبيض المتوسط "حاركا" للوصول إلى ترابها, ليستيقظ يوما على صفارة البوليس الإسباني الذي كان قد طوق المكان للقبض على المهاجرين وترحيلهم إلى ديارهم, دون أدنى درهم أو بالأحرى "أورو".

وصل الشاب وأصدقاءه إلى أرض الوطن, لكن وبطريقة ما استطاع رفقة صديقه الفرار من الشرطة المغربية, مخافة سجن مدته تقدر في بعض الأحيان بشهرين حبسا أو أكثر, متنقلين بذلك من طنجة إلى عدة مدن أخرى إلى أن وصلوا إلى العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء, أملا في أن يجدوا يدا رحيمة تساعدهم على الوصول إلى ديارهم, بعدما تركوا كل متعلقاتهم بإسبانيا, وبعد أن أصبحوا متابعين من طرف السلطات المغربية,

لكن انكسارهم الداخلي, وإحباطهم من المأساة التي حلت بهم, وأملهم الذي اتضح أنه على وشك الاندثار, رواه الركاب بدراهم أمل تمنوا من خلالها أن تساعد الشاب ورفيقه في العودة إلى عائلاتهم ببني ملال.

و بعد جمع التبرعات للشاب, قام هذا الأخير في النهاية بشكر كل الركاب مع تقديم نصيحة لبعض الشباب من خلال مثل شعبي شائع "قطران بلادي ولا عسل البلدان".

لكن وكما جرت العادة فلا شيء يردع الشباب المغربي عن الوصول إلى هدفهم سوى الموت, حيث رد عليه شاب لم يتم عقده الثاني بعد قائلا " وانتا بعدا راك شفتي وعشتي في بلاد الغربة كيتنا حنا لي باقين حاصلين هنا".