mardi 29 janvier 2008

الحلم الموؤود


ذهبت اليوم على الساعة الثالثة زوالا إلى مقر البريد المغربي بجانب بيتنا قصد دفع الثمن الشهري للإنترنيت, فوجدت أناسا كثر واقفين أمام الباب الموصد, سألت سيدة عن سبب إقفالهم باكرا لكنها لم تروي عطش سؤالي لعدم درايتها بشيء, فلمحت أحد الموظفين يخرج من الباب الخلفي, أسرعت إليه و سألته سبب إقفالهم باكرا خاصة بعدما قرأت التوقيت المعلق في الباب, والذي يشير إلى أنهم يعملون من يوم الاثنين إلى الجمعة ابتدءا من الساعة التاسعة صباحا إلى الساعة الرابعة زوالا, ليجيبني باستغراب"أو ما فراسكش المغرب لاعب اليوم؟؟" وكأنه يريد أن يقول لي, ألست بمغربية؟؟ لكنه خجل أو بالأحرى تحاشى ردة فعلي و بدل صيغة السؤال, تركت سؤاله معلقا في الهواء ينتظر إجابة لم أسمح لها بالظهور, قبرتها بداخلي و عدت إلي بيتي, كنت متأكدة أن إجابتي لن تروقه, لأني كنت أعرف مليا أن منتخبنا الوطني العزيز جمع رحيلو باش يرجع بلادو, بالطبع فبلادهم ليست هي المغرب,عدت وتركت ورائي جمعا من الناس في حيرة وتساؤل عن سبب الإقفال باكرا.

و أنا في طريقي إلى البيت لا أسمع حديثا إلا عن الكرة و الخطة الجديدة التي سيدخل بها المدرب هنري مشيل, و حظ المنتخب المغربي في الفوز, حتى من بائعي الخضر لم يعودوا يحسبون أرباحهم و خسارتهم, بل اندمجوا في حسابات رياضية كروية أنستهم عملهم.

لا أخفيكم أنه رغم وثوقي من هزيمة المنتخب المغربي في مباراته مع غانا, إلا أنني كنت أحتفظ بأمل صغير يخيب ضني و يكسر ثقتي.

زارني صديقين لي لمشاهدة المباراة سويا, و مع بداية المقابلة انتابتني رعشة في جسدي و بدأ قلبي بإصدار دقاته بقوة وسرعة غير مألوفة, إلى أن تيقنت أننا من المقصيين و لا أمل لنا في الفوز.

بعد نهاية المباراة فوجئت بصديق لي يتصل بي, كنت أضنه في عمله ولم يشاهد المباراة, لكنه قال لي أن مديرهم جائهم بتلفاز صغير لمتابعة المقابلة, صديقي كان متوترا و في حالة سيئة لهزيمة المنتخب المغربي, لكني للأسف لم أستطع مواساته لأني كنت أعيش الحالة نفسها.

بعد انتهاء المكالمة استحضرت خبرا نشره موقع "هسبريس" عن وفاة شاب بالدار البيضاء إثر سكتة قلبية, من شدة تأثره و غضبه لهزيمة المنتخب الوطني أمام نظيره الغيني, أعلم أن الأعمار بيد الله لكن...؟ فليرحمه الله و ليسكنه فسيح جنات.

المهم أنه بعد تذكري للخبر قلت مع نفسي أأأأوو أش هاد الشي, أناس يتركون عملهم و لا يؤدون واجبهم متذرعين بالمقابلة,و متناسين المواطنين و حاجياتهم, و آخرون عوض أداء عملهم جائهم مديرهم بتلفاز إلى مقر العمل خوفا من أن إيطيروا هم أيضا, و آخر وافته المنية وسط كراسي المقهى لخسارة المنتخب, إضافة إلى المبالغ الخيالية التي يتقاضاها المدرب 45 مليون سنتم في الشهر, و قبل أن يغادر أعضاء الفريق الوطني صرف لكل واحد منهم 20 مليون للشخص, بالطبع فكل هاته المبالغ هي من عرق جبين المغاربة.

إذن هل هذا هو جزائنا؟ هل ثقتنا التي وضعناها فيهم, و حلمنا الذي آثرنا أن يحققوه لنا حصيلتهما مقابلات باسلة و دون المستوى؟ باستثناء التي خاضوها ضد ناميبيا, مقابلات ظهروا فيها كقطط لا تعرف ما أصابها من لعنة, ضلت تدور حول نفسها إلى أن استسلمت لقدرها.

إذن فقد خاب أمل كل مغربي في أن يستمر نشيد وطننا المحبوب ليجلجل أركان ملاعب غانا, وانكسر ذاك الحلم المفقود في الفوز بكأس ثانية تؤنس وحدة سابقتها, لكن ومع ذلك تمنيت رؤية أوجه أولئك الإداريين اللذين تركوا عملهم, و أقفلوا أبوابهم في وجهنا.

lundi 28 janvier 2008

حنين إلى الماضي

حضرت يوم أمس حفلا بسيدي مومن بمناسبة إصدار أول شريط غنائي للأطفال, تحث عنوان "عطور" نسبة لمؤسسة "عطور" الخاصة التي قامت بإصداره.

الحفل شهد حضورا كبيرا, خاصة من طرف الآباء و الأمهات الفرحين بمشاركة أبنائهم في إصدار الشريط, جاؤوا لمشاهدة فلذات كبدهم وهم يِؤدون و لأول مرة فوق خشبة المسرح أغاني للوطن والدين والمدرسة والتربية, إضافة إلى حضور العديد من الجمعويين و الفنانين أيضا, ومن بينهم محمد عزام أبو العز, أو كما يفضل تلقيبه ب"بهلول" نسبة للشخص الذي يدخل البهجة إلى قلوب الناس, و الحق يقال فبهلول لم يبخل كعادته من رسم الابتسامة و الفرحة في أوجه الحضور, لاعب الأطفال, و قلد الصغار, و حاكى الجمهور بلهجته و طريقته العفوية, و الأجمل من ذلك رقص وغنى آخر جديده من أغاني الأطفال, التي تتحدث عن الألعاب القديمة "قاش قاش, كاري, عروسة وعريس...", ألعاب رافقت الأطفال في مرحلة طفولتهم وتسلوا بها أثناء أوقات فراغهم.

و كان بين الحضور أيضا مجموعة "تاكادا" رغم أنها لم تؤدي شيئا من أغانيها الخالدة, إلا أن حضورها كان كافيا و مشرفا للأطفال.

الحفل كان رائعا جدا, تخللته فرحة واندهاش الآباء بأبنائهم, لم يصدقوا أنهم يمتلكون مواهب دفينة في الغناء, مواهب أرادوا إثباتها و إظهارها للحضور دون تردد أو خوف من رهبة الخشبة و الجمهور الكبير, صراحة لم يتسنى لي من قبل حضور حفل غنائي للأطفال, و أضنه الأول من نوعه في المغرب, بحكم أن التجربة تعتبر الأولى من نوعها في مجال إصدار أشرطة غنائية للأطفال تحث مساهمة مؤسسة تعليمية خاصة .

بدأ الحفل و صعد الأطفال خشبة المسرح بزي موحد, و ابتسامة موحدة مشرقة, توحي لك ببرائتهم الدافئة, أول أغنية كانت بعنوان "عطور", وفعلا تمكن الأطفال من رش عطرها الفواح على الجمهور, جعلونا نغني ونصفق معهم دون شعور, و تلتها أغنية "مؤسسة محمد الخامس" و كذا "maroc" هذه الأخير التي أقسم أن بدني اقشعر عند سماعها, و عيناي اغرورقتا بالدموع من شدة تأثري بها, لحنها رائع و كلماتها أروع و أدائها لا يوصف, ليعود بي الحنين إلى الوراء, و يشتغل شريط ذكرياتي من جديد ليعيد لي أيام طفولتي, وبالضبط في السنة الرابعة ابتدائي حين جاءنا معلم جديد كسر الروتين الدراسي الذي كنا قد ألفناه من شدة امتزاجه بنا, الدراسة والحفظ و الكتابة لا غير, أستاذنا الجديد كان يدرس بالمملكة العربية السعودية, كان صغير السن عكس ما ألفناه في معلمينا العجزة, أتانا بروح شابة مليئة بالقصص و الحكايا عن عالم لم نسمعه من قبل, أخرجنا من روتين الدراسة إلى عالم المسرح مرورا بالغناء ووقوفا على الخشبة, علمنا كيف نصلي و كيف نرتل القرآن, علمنا ما كنا متعطشين إليه قبل مجيئه, وما افتقدناه قبل مضي السنة كلمح البصر, كانت تلك السنة هي الأولى والأخيرة التي تمنيناها أن تطووووووول و لا تنتهي.

للأسف كانت سنة رائعة لزالت لحظاتها محفورة في ذاكرتي, سنة لم تعد مرة ثانية لأن أستاذنا العزيز لم يدرسنا من جديد في المستوى الخامس ابتدائي, حيث عاد الروتين من جديد ليمتزج بأيامنا و حياتنا, ههههههه المسكين افتقدنا فقد كان متعطشا لنا, من ساعتها لم يفارق ضلنا إلى حدود الساعة.

لهذا أتمنى أن لا تكون هاته التجربة الأولى من نوعها, بل بابا كان موصدا و أصبح مفتوحا في وجه المؤسسات سواء الخصوصية أو العمومية, لمنح فرصة يمكن أن تكون ذهبية بالنسبة للأطفال الصغار لإبراز مواهبهم الدفينة, و التعبير عما يخالجهم دون أدنى خجل أو خوف بطريقة رائعة, وهي الغناء مفتاح القلوب الموصدة, وشمس العقول المكلسة.

أوقفت زر ذاكرتي للاستمتاع بالحفل, وخوفا من أن تفوتني هاته اللحظات,صفقت و غنيت ورقصت برجلي اليسرى معهم, تمنيت لو أقفز و أشاطرهم وقفتهم فوق الخشبة, عساي أعيد حنين الماضي المفقود, لكني قلت لنفسي تريثي ليس من حقك عيش زمن ليس بزمانك.

lundi 21 janvier 2008

السؤال القاتل



هل لديك un mec"

سؤال بسيط و صعب في آن الوقت, يجعلك في حالة تناقض لا إرادي, تناقض قد يكشف ازدواجية الشخص منا, أو بالأحرى جرأتنا في طرح آرائنا و الدفاع عنها, سؤال من شأنه أن يهدم السور المكهرب, ويكسر القيود الأبدية التي كبلنا بها مجتمعنا الآني.

طرح علي هذا السؤال الآلاف المرات, و الإجابة دائما هي"لا لا مالي حماقيت ما خصني بصداع الراس", إجابة تجعل السائل يصمت, وتدخله في دوامة التفكير اللامنتهي كي لا يعيد الكرة, لأنه لم يجد من يشاطره الحلم ولا حتى من يشتكيه عذاب الحب.

كنت أتمنى دائما أن أتناول السبانخ قبل الإجابة, كما يفعل بومباي قبل خوضه المعارك "رسوم متحركة", أملا في تزويدي ببعض من القوة كي أجيب بلا خوف أو قيود, قوة تجعلني أصرخ بأعلى صوت وأقول "نعم لدي" و"لا لست لديه",هذه الكلمات التي أقبرها بين ضلوعي الهشة , لزالت تجادلني في بعض الأحيان و توشك على خيانتي أحيانا أخرى, لكن ذاك السور المكهرب يقف أمامها دائما بالمرصاد, ويطفئ بصيص الأمل ليعيدها إلى الظلام.

وددت دائما أن أبوح لهم بأني أحب الحب رغم كرهه لي, أني مررت بتجارب كثيرة ولم تمر واحدة منها بي, و أني أحببت ولم يحبني منهم أحد.

لكني كنت أخاف الإحساس بالنقص والوحدة, إحساس يتملكني شئت أم أبيت عند رؤية عاشقين في الطريق, و عند حلول عيد العشاق السنوي, هذا العيد الذي يكون بمثابة حداد بالنسبة لي و لأمثالي.

وددت أن أصرخ وأقول بلا حرج, أريد وردة حمراء, أشتهي سماع كلمة طيبة, أشتاق إلى لمسات دافئة..., لكن لساني يتجمد, وقواي تنهار, لأصبح بكماء صماء وسط عالم يعزف على أوتار التقاليد, ويظهر لي من جديد شبح المجتمع, هذا الشبح الذي يصفعني, يوقظني,و يكبلني مرة أخرى بقيود تجثم على أنفاسي, يعيد زرع الكبرياء المبعثر في أحشائي, ومن دون تردد أعيد العبارة التي استعمرت أفكاري وجمدت أحاسيسي الأنثوية " لا لا مالي حماقيت ما خصني بصداع الراس".

mardi 15 janvier 2008

غياب لمراجعة الأوراق


أعتذر منكم أصدقائي عن هذا الغياب الطويل, وأعتذر جدا عن عدم تهنأتي لكم بمناسبة حلول السنتين الجديدتين 2008 و 1429, و أعرف أن قلبكم واسع ورحب لقبول اعتذاري, خاصة بعدما أن تعرفوا السبب الكامن وراء اختفائي.

سبب غيابي راجع إلى انهماكي في مراجعة أوراق حياتي, بعد ما كنت جالسة أمام التلفاز, أتابع البرنامج الشبابي "شبابيك",و الذي يتم بثه مباشرة من قناة "دريم" المصرية, حيث كان موضوع الحلقة حول سنة 2007 وما تم فيها من إنجازات و مواقف, سواء على المستوي الشخصي أو الوطني أو العالمي, و كما جرت العادة فالبرنامج يستقبل اتصالات المعجبين, اللذين يبدون آرائهم واقتراحاتهم.

الحلقة كانت خالية من الضيوف, لأنها كانت موجهة للمستمعين فقط, والسؤال المطروح كان: كيف حلت عليك سنة 2007؟؟ بمعني هل حملت لك مستجدات غيرت حياتك للأحسن؟ أم لا قدر الله كانت سوداء كسواد الليل القاتم؟؟

معظم المستمعين كانت إجاباتهم على مستوى حياتهم الشخصية, مثلا هناك من تقول" لقد كانت هذه السنة فاتحة خير على حياتي حيث تمت خطبتي", وأخرى جد فرحة لزواجها بفارس أحلامها, و آخر أكمل دراسته و وجد وظيفة..., المهم أن كل المتصلين كانوا فرحين ب سنة 2007 و تمنوا أن تكون سنة 2008 مثيلتها أو أفضل.

سؤال قد يبدو للبعض عادي و منطقي, لكن هل فكرتم فيه و أنتم تودعون هذه السنة؟ هل من أحد منكم استرجع صفحات حياته الخاصة ب 2007؟

لا أضن, لا أضن أنكم استحضرتم ما مر من محطات, ولا حتى فكرتم في ذلك, حتى أنا لم يخطر ببالي التفكير في الأمر, إلى حين شاهدت الحلقة, ويا ليتني ما شاهدتها, لأني هممت بتقليب صفحات حياتي,و لم أجد سوى صفحات بيضاء, صفحات خالية من أي مداد يزينها, أو لون يؤثثها, بحث و بحث و بحث, ضغطت على زر ذاكرتي أملا في أن يعيد لي شريط الذكريات,لكن بدون جدوى, استجديت تجاعيد أفكاري علها تمن علي بلحيظات من الأمل و الفرح, لكنها وبدون شفقة صدتني, وحاصرتني بصور و مشاهد ضننت أنها تلاشت مع الأيام, لكن هيهات فآثارها لزالت محفورة في الدماغ, لم أجد خبرا أفرحني, أو موقفا سرني, لم أجد سوى الدموع التي جفت في مقلتاي.

المثير في الأمر أن سنة 2008 عندما طرقت دفة بابي, لم أستطع استضافتها, لأني كنت طريحة الفراش ساعتها, تركتها تطرق و تطرق و تطرق, إلى أن ملت, و سئمت, فرحلت, طبطبت على نفسي و قلت لها لا تحزني, فنحن لا ننتمي إلى هذه السنة, تعالي نعلق آمالنا على شجرة السنة الهجرية, تعالي نعود إلى جذورنا العربية, فهي أحن علينا بكثير من السنة الأجنبية.

و هاهي السنة الهجرية حلت, و ها أنذا جالسة أمام شجرة الأمنيات أنتظر منها فرحة, ابتسامة, كلمة حلوة تنتشلني من مستنقع الآهات, يدا تطير بي في سماء الأفراح, و بالفعل جاءت اليد الرحيمة, يد بريئة من قطرات الدم, نظيفة من أوساخ الزمن, و كطفلة صغيرة فرحة بلعبة جديدة تمسكت باليد, لكنها رفضتني, ألفتها فطردتني, أحببتها فكرهتني, تمنيت لو ظلت و حققت أحلامي, و خففت من عذابي, لكنها آثرت أن تقبرني في بحر الظلمات, آثرت أن تجثم على أنفاسي بدون شفقة أو رحمة, لتكون أول أيام سنة 1429 صعقة كهربائية من نوع 220v , صدمة جعلت جسدي ينهار كبيت قديم لم يبقى منه سوى الأطلال, أطلال يزورها من يريد استرجاع الذكريات,آآآه و أي ذكريات.

خاتمة التجربة أني أخذت على نفسي وعدا حرا, على أني لن أعيد الكرة مرة أخرى, و لن أعيد تقليب صفحات أوراقي مهما كانت الظروف, و أن أعيش يومي و أنسى أمسي, كي لا تجرني خيوط الماضي من جديد, و تجمد أحلامي و تدفنني في بئر الحزن العميق.

samedi 12 janvier 2008

حرية الصحافة بين الواقع والحلم المفقود

شهد الحقل الصحافي بالمغرب, خلال السنوات الأخيرة, خضوع عدد من الصحف المستقلة التي تعتبر القطاع الأكثر صراحة والأشد انتقادا للحكومة من بين قطاعات الإعلام الإخباري المغربي, للمحاكمة بعد أن تمت ملاحقتها بتهم توزعت بين تهديد أمن الدولة والمساس بالمقدسات ونشر أخبار زائفة, ما أعاد إلى الواجهة الجدل القديم حول حرية الصحافة و استمرار فرض القيود عليها في هذا البلد.

إذن فالملك والصحراء والإسلام أعمدة أساسية للثالوث المقدس بالمغرب, ثالوث أدى بالعديد من الصحف والصحفيين إلى دفع الثمن غاليا جزاء جرأتهم وغيرتهم على هذا الوطن, فقد استطاعت السلطات المغربية بطريقة أو بأخرى إقبار و إسكات صوتهم و الدفع بهم إلى ممارسة الرقابة الذاتية. و أكبر دليل على ذلك قيام السلطات بكسر شوكة الوجوه المشاكسة للصحافة المستقلة بالمغرب, و من بينها علي المرابط مدير المجلتين الأسبوعيتين الساخرتين "دومان" و"دومان ما غازين"، والذي غادر المغرب إلى أسبانيا للعمل في جريدة "إلموندو" بعد إصدار محكمة مغربية حكما قاسيا يمنعه من الكتابة لمدة 10 سنوات, بعد رفع قضية تشهير من طرف منظمة اسمها "أقارب ضحايا القمع الصحراويين", وسبق له أن قضى ثلاث سنوات في السجون المغربية لنشره رسوما كاريكاتورية حول الملك وحاشيته.

وكذا أبو بكر جامعي مدير الصحيفة الناطقة بالفرنسية "لوجورنال إيبدومادير", هو أيضا توقف عن ممارسة العمل الصحفي في أبريل الماضي. بعد صدور حكم عليه بأداء غرامة مالية خيالية تبلغ 3 مليون درهم, في قضية تشهير رفعها رئيس المركز الاستراتيجي ألاستخباراتي والأمني الأوربي الذي يوجد مقره ببروكسيل, ليكون آخر المطاف استقالة جامعي من منصبه وتوجهه إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليعمل بإحدى الجامعات الأمريكية, ويعتبر جامعي من بين الصحافيين الأوائل الذين كسروا حاجز الصمت وكتبوا عن القضايا السياسية الحساسة في المجتمع المغربي منذ تأسيس لوجورنال عام 1997.

يليه إدريس كسيكس والذي استقال هو أيضا من منصبه كمدير لمجلة نيشان واعتزل مهنة الصحافة, بعد أن صدر في حقه حكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ بعد نشر ملف صحفي حول النكت في المجتمع المغربي, أعدته الصحافية سناء العاجي وتطرق للجنس، الدين والسياسة.

ليتبين لنا من جديد وللمشاهد أن اعتقال ومنع أكثر الصحفيين جرأة بالمملكة من مزاولة مهنة الصحافة, هو في حد ذاته حدث صارخ في وجه كل الادعاءات والشعارات الرسمية المرفوعة.

و الملاحقات التي طالت الصحف المغربية المستقلة كأسبوعية "الأيام " و"المشعل" و "البيضاوي"سابقا "الوطن" الآن, ثم مجلة "نيشان" و "تيل كيل" و "لوجورنال" و غيرها ما هو إلا دليل على تكميم الأفواه وانتهاك حرية التعبير, وضيق حويصلة النظام عن سماع كل ما لا يرغب في سماعه, ودليل أيضا على محنة الصحافة بالمغرب وعلى عجز النظام عن احترام حتى ذلك الهامش الضيق المصطنع من الحرية.

لتكون الحصيلة إصدار 33 حكما قضائيا ضد صحافيين مغاربة بالسجن أو السجن مع وقف التنفيذ منذ عام 2000, ومنع ثلاث صحفيين من مزاولة مهنة الصحافة, و فرض السلطات المغربية الحظر أو الرقابة على 23 صحيفة مغربية.

حصيلة و مؤشرات اعتمدتها منظمة مراسلون بلا حدود لتقديم تقرير أبرزت فيه تراجع المغرب من المرتبة 97 إلى المرتبة 106, ليدمج المغرب من جديد ضمن القائمة السوداء للدول التي لا تحترم حرية الصحافة, مثل مصر,تونس,باكستان, إثيوبيا,غامبيا,جمهورية كونغو الديمقراطية إضافة إلى كوبا وروسيا.

و يبدو أن المغرب لم يتعود بعد على الصحافة المستقلة, ولزال حبيس أفكار و سيطرة الصحافة الحزبية و الرسمية لمدة عقود على الساحة الإعلامية المغربية,ويمكن القول أيضا أن محاكمة الصحافة والصحفيين في هذا الظرف السياسي بالذات, جرد المغرب وكشف عيوبه وشعاراته القائلة بضرورة طي صفحة القمع والزجر المعروفة بسنوات الرصاص,وبهذا تكون المملكة المغربية متعارضة أهدافها ومتناقضة كليا مع أهداف مملكة الصحفي التي تأسست على الحرية والمسؤولية في نقل الخبر.

إن سلسلة المحاكمات الرامية إلى إقبار و إسكات بعض المؤسسات الصحفية ورسم خطوط حمراء لثلة من الصحفيين,تدفعنا من دون شك إلى مساءلة واقع المغرب الحالي, لماذا الصحافة المستقلة و في هذا الوقت بالذات؟ ومن المستفيد؟ وأي مغرب يسعى المسؤولون بناءه, مغرب الصمت والقمع أم مغرب الحرية و الديمقراطية؟

محاكمات تفرض علينا مجددا الوقوف مليا للمطالبة بالتغيير الحقيقي, لتأسيس الأرضية المناسبة التي يمكن على ضوئها ممارسة العمل الصحفي الحقيقي, والتي ينبغي أن تنسجم موضوعيا مع طبيعة مهام الصحفي المجتمعية كمواطن وفاعل اجتماعي وفق احترام المواثيق الأخلاقية المتعارف عليها في كل البلدان الديموقراطية, لنقول و بفخر أن الصحافة تمثل حقا السلطة الرابعة بكل ما في الكلمة من معنى.