samedi 12 janvier 2008

حرية الصحافة بين الواقع والحلم المفقود

شهد الحقل الصحافي بالمغرب, خلال السنوات الأخيرة, خضوع عدد من الصحف المستقلة التي تعتبر القطاع الأكثر صراحة والأشد انتقادا للحكومة من بين قطاعات الإعلام الإخباري المغربي, للمحاكمة بعد أن تمت ملاحقتها بتهم توزعت بين تهديد أمن الدولة والمساس بالمقدسات ونشر أخبار زائفة, ما أعاد إلى الواجهة الجدل القديم حول حرية الصحافة و استمرار فرض القيود عليها في هذا البلد.

إذن فالملك والصحراء والإسلام أعمدة أساسية للثالوث المقدس بالمغرب, ثالوث أدى بالعديد من الصحف والصحفيين إلى دفع الثمن غاليا جزاء جرأتهم وغيرتهم على هذا الوطن, فقد استطاعت السلطات المغربية بطريقة أو بأخرى إقبار و إسكات صوتهم و الدفع بهم إلى ممارسة الرقابة الذاتية. و أكبر دليل على ذلك قيام السلطات بكسر شوكة الوجوه المشاكسة للصحافة المستقلة بالمغرب, و من بينها علي المرابط مدير المجلتين الأسبوعيتين الساخرتين "دومان" و"دومان ما غازين"، والذي غادر المغرب إلى أسبانيا للعمل في جريدة "إلموندو" بعد إصدار محكمة مغربية حكما قاسيا يمنعه من الكتابة لمدة 10 سنوات, بعد رفع قضية تشهير من طرف منظمة اسمها "أقارب ضحايا القمع الصحراويين", وسبق له أن قضى ثلاث سنوات في السجون المغربية لنشره رسوما كاريكاتورية حول الملك وحاشيته.

وكذا أبو بكر جامعي مدير الصحيفة الناطقة بالفرنسية "لوجورنال إيبدومادير", هو أيضا توقف عن ممارسة العمل الصحفي في أبريل الماضي. بعد صدور حكم عليه بأداء غرامة مالية خيالية تبلغ 3 مليون درهم, في قضية تشهير رفعها رئيس المركز الاستراتيجي ألاستخباراتي والأمني الأوربي الذي يوجد مقره ببروكسيل, ليكون آخر المطاف استقالة جامعي من منصبه وتوجهه إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليعمل بإحدى الجامعات الأمريكية, ويعتبر جامعي من بين الصحافيين الأوائل الذين كسروا حاجز الصمت وكتبوا عن القضايا السياسية الحساسة في المجتمع المغربي منذ تأسيس لوجورنال عام 1997.

يليه إدريس كسيكس والذي استقال هو أيضا من منصبه كمدير لمجلة نيشان واعتزل مهنة الصحافة, بعد أن صدر في حقه حكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ بعد نشر ملف صحفي حول النكت في المجتمع المغربي, أعدته الصحافية سناء العاجي وتطرق للجنس، الدين والسياسة.

ليتبين لنا من جديد وللمشاهد أن اعتقال ومنع أكثر الصحفيين جرأة بالمملكة من مزاولة مهنة الصحافة, هو في حد ذاته حدث صارخ في وجه كل الادعاءات والشعارات الرسمية المرفوعة.

و الملاحقات التي طالت الصحف المغربية المستقلة كأسبوعية "الأيام " و"المشعل" و "البيضاوي"سابقا "الوطن" الآن, ثم مجلة "نيشان" و "تيل كيل" و "لوجورنال" و غيرها ما هو إلا دليل على تكميم الأفواه وانتهاك حرية التعبير, وضيق حويصلة النظام عن سماع كل ما لا يرغب في سماعه, ودليل أيضا على محنة الصحافة بالمغرب وعلى عجز النظام عن احترام حتى ذلك الهامش الضيق المصطنع من الحرية.

لتكون الحصيلة إصدار 33 حكما قضائيا ضد صحافيين مغاربة بالسجن أو السجن مع وقف التنفيذ منذ عام 2000, ومنع ثلاث صحفيين من مزاولة مهنة الصحافة, و فرض السلطات المغربية الحظر أو الرقابة على 23 صحيفة مغربية.

حصيلة و مؤشرات اعتمدتها منظمة مراسلون بلا حدود لتقديم تقرير أبرزت فيه تراجع المغرب من المرتبة 97 إلى المرتبة 106, ليدمج المغرب من جديد ضمن القائمة السوداء للدول التي لا تحترم حرية الصحافة, مثل مصر,تونس,باكستان, إثيوبيا,غامبيا,جمهورية كونغو الديمقراطية إضافة إلى كوبا وروسيا.

و يبدو أن المغرب لم يتعود بعد على الصحافة المستقلة, ولزال حبيس أفكار و سيطرة الصحافة الحزبية و الرسمية لمدة عقود على الساحة الإعلامية المغربية,ويمكن القول أيضا أن محاكمة الصحافة والصحفيين في هذا الظرف السياسي بالذات, جرد المغرب وكشف عيوبه وشعاراته القائلة بضرورة طي صفحة القمع والزجر المعروفة بسنوات الرصاص,وبهذا تكون المملكة المغربية متعارضة أهدافها ومتناقضة كليا مع أهداف مملكة الصحفي التي تأسست على الحرية والمسؤولية في نقل الخبر.

إن سلسلة المحاكمات الرامية إلى إقبار و إسكات بعض المؤسسات الصحفية ورسم خطوط حمراء لثلة من الصحفيين,تدفعنا من دون شك إلى مساءلة واقع المغرب الحالي, لماذا الصحافة المستقلة و في هذا الوقت بالذات؟ ومن المستفيد؟ وأي مغرب يسعى المسؤولون بناءه, مغرب الصمت والقمع أم مغرب الحرية و الديمقراطية؟

محاكمات تفرض علينا مجددا الوقوف مليا للمطالبة بالتغيير الحقيقي, لتأسيس الأرضية المناسبة التي يمكن على ضوئها ممارسة العمل الصحفي الحقيقي, والتي ينبغي أن تنسجم موضوعيا مع طبيعة مهام الصحفي المجتمعية كمواطن وفاعل اجتماعي وفق احترام المواثيق الأخلاقية المتعارف عليها في كل البلدان الديموقراطية, لنقول و بفخر أن الصحافة تمثل حقا السلطة الرابعة بكل ما في الكلمة من معنى.

2 commentaires:

journal a dit…

السلام عليكم ورحمة الله
باذئ ذي بدء أحييك على كتاباتك قوية واقعية جميلة وتشد الذهن حتى إكمالها .
في الواقع أعجبتني كثيرا كتاباتك حول المرأة و نحن جريدة جهوية إخترنا لها من الأسماء إسم " الصحيفة الجهوية " تصدر مؤقتا نصف شهرية نحتاج مثل هذه المواضيع وإن أبديت رغبة في التواصل معنا أو إرسال هاته المقالات لنا سنكون لك شاكرين .
مع الشكر والسلام
عبدالإله بورزيق
الصحيفة الجهوية

siham a dit…

السلام عليكم
أولا أشكرك أخي عبد الإله لتعليقك الرائع و المفاجأ لأنه أول مرة يقرأ أحدهم كتاباتي و يعلق عليها طبعا باسثناء أصدقائي .
بخصوص طلبك حول مشاركتي معكم, صراحة شرف لي أن تنشر كتاباتي في صفحات جريدتكم, لكن هناك جريدة جهوية أخرى تنشر بعضا من كتاباتي وهي جريدة "البرنوصي",لكني لا أمانع إذ أردتم مشاركتي معكم لأنه و كما ذكرت سابقا أنه شرف لي أتمنى تحقيقه.
سهام