vendredi 25 mai 2007

ليلة عاشوراء على الطراز المغربي

عندما تجوب مناطق المغرب من شماله إلى جنوبه, فبالتأكيد سيجذبك ذلك التنوع الثقافي, الذي يحاكي ما هو عربي وما هو أمازيغي، وما هو أندلسي، وما هو إفريقي أيضا؛ فكل منطقة مغربية لا بد أن تنفرد بعاداتها وتقاليدها, حتى تجد نفسك أمام فسيفساء ثقافي؛ الأمر الذي ينعكس على مظاهر متنوعة منها ما هو احتفالي كمناسبة عاشوراء.

لذا ارتأيت أن أقدم لكم في هذه الصفحة بعض التقاليد المغربية المرتبطة بهذه المناسبة "مناسبة عاشوراء", التي تختلف عن نظيرتها في بقية البلدان العربية والإسلامية، إذ ترتبط بالعادات وبالخصوصية المحلية، أكثر مما تحيل على أحداث تاريخية إسلامية.
منذ بداية فاتح محرم يتم الشروع في تنظيف داخل المنزل، وتبيض جدرانه الخارجية وغسل الثياب والاستحمام، مع إمكان تجديد هذه العملية ليلة عاشوراء، ويطلق عليها بـ"العواشر".

الامتناع في هذا اليوم -وكذا بعده أو أكثر عند البعض- عن تنظيف البيت وغسل الثياب والاستحمام والتطبيل والتزمير وإيقاد النار واقتناء فحم أو مكنسة واستعمالها إن وجدت، بل يصل الأمر عند بعض الأسر إلى عدم ذكر اسم المكنسة، وقد تتخذ منها دمية تزين وتوضع في ركن المنزل وإلى جانبها "الجفّافّ" الذي تُمسح به الأرض، ويقال في ذلك مثل مغربي "الشطابا أعروسا والجفافا أنفيسة" -أي أن المكنسة عروس والجفّافّة نفساء-؛ للدلالة على تعطيل عملهما في هذا اليوم، وإن وقع الاضطرار إلى شراء المكنسة في عاشوراء فإن ذلك يتم بصمت مع البائع، وحتى لا تدخل إلى الدار من الباب فإنه يتم الإلقاء بها من السور الخارجي إلى وسط الدار أو الفناء، وفق ما هو معروف في الهندسة التقليدية للمنازل المغربية. وقد ينسحب ذلك حتى على بعض حاجيات البيوت، وبصفة خاصة على الملح الذي لا ينبغي أن يؤخذ أو يعطى أو يُسلَّف -والمقصود من ذلك إظهار الحزن- إلى بعد انتهاء أيام عاشوراء التي قد تستمر إلى العشرين من محرم وربما آخره، ويعلن عن هذا الانتهاء بضرب الطبل
.
ويلاحظ في مناسبة عاشوراء أن النساء والفتيات يتمتعن بحرية أكبر حيث يقمن قبل هذا اليوم بتخضيب شعر رأسهن بالحناء، وكذا أيديهن وأرجلهن بها مع وضع شيء منها في أكف الأطفال وحتى بعض الرجال, ومن مُرددات النساء، وقد جمّلن شعرهن بالحناء وأطلقنه:

"عاشوري عاشوري ... عليك نطلق شعوري". أو

"هذا عاشور ما علينا الحكام أللا ... عيد الميلود يتحكموا الرجال أللا..."

اكتحال النساء واستياكهن في الغالب، وإن كان بعضهن يمتنعن عن ذلك أيام عاشوراء بدءا من فاتح محرم، ويتهيأن بأن يقمن بذلك قبل حلول الشهر، وهو امتناع يرتبط بمظهر الحزن.

ومعروف في هذه المناسبة تعداد أساليب التوسل لفك السحر أو رد العين والأرواح الشريرة، ومن ذلك ما كان معروفا في بعض المدن كمدينة الرباط من أخذ الأطفال إلى الصباغين لصبغ أطرافهم اليمنى بالسواد وشراء "جعبة الهند"، وهي وعاء حديدي صغير بقفل تحمله النساء اللائى يخشين العين أو فعل السحر.

كما يتم استعمال البخور قصد رد العين والأرواح الشريرة، وهو نوعان:

بخور مدني: يتمثل في الخزامى، والشَّبَّة، والحرمل، والجاوي، والفاسوخ.

بخور بدوي: كالداد والريحان وفسخ الحنش (جلده).//

فتح الكتاتيب القرآنية صباح يوم عاشوراء إلى وقت الضحى؛ لتحصل البركة طوال العام ثم تعطيلها بعد ذلك بقية اليوم، وقد تمتد العطلة أياما ثلاثة أو عشرة، ويُطلق على هذه العطلة لفظ "العواشر".
حث الأطفال على الصيام وشراء "الهدايا" لهم، منها ما يكون للذكور كالطبول وللإناث الدمى والتعارج (آلات إيقاعية تشبه الطبل، لكنها أصغر حجما).

اقتناء ملابس جديدة أو خياطتها تيمنا بهذا اليوم وفق ما هو شائع من أن الذي يخيط في عاشوراء يخيط طوال السنة.

إيقاد النار في الشواع والميادين العامة في ليلة عاشوراء، ويطلق عليها "شعالة" أو"شعايلة" أو "تشعالت" في اللهجة الأمازيغية، وبعد إيقاد النار يبدأ القفز عليها باعتبار أن ذلك يزيل الشر ويبعده، بل إن البعض يشعلون النار في أفنية منازلهم ويأخذون في الدوران حولها وهم يطبلون ويزمرون ويغنون.

وتجدر الإشارة إلى ما كان يقع في بعض المدن كمراكش حيث تلقى في النار بعض الدمى والصور، ومنها ما يمثل قاتل الحسين وكذا إلى ما يحدث في مناطق أخرى، لا سيما في الأطلس الصغير؛ إذ تتحلق النساء حول النار ويأخذن في البكاء والندب والنواح، وقبل أن تخمد النار يدفئن الماء عليها ليتوضأن به أو يغتسلن تبركا به وعلاجا.

الإكثار من صب الماء على الأرض، وكان شائعا أن يلجأ حمالو الماء المعروفون بـ"الكرابة" إلى ملء قربهم، وإفراغها في الأرض مقابل ما يعطيه المارة والمتجولون.

وقد كانت النساء في سنوات غابرة يقمن باكرا فيغتسلن بالماء البارد حتى يكون العام مليئا بالخير وبالحيوية والنشاط، وفي حالة عدم استيقاظ الفتيات باكرا كانت تلجأ الأمهات إلى رشهن بالماء حتى يضطررن للاستيقاظ، لكن سرعان ما تجاوزت هذه العادة البيوت المغربية لتخرج إلى أزقتها وشوارعها حيث يصب الماء على المارة".

وعن الطعام، فالحلويات غالبا ما تُتناول بعد عشاء ليلة عاشوراء إثر طعام "الكسكس" الذي يفور على (الديالة)، وهي مؤخرة الخروف وذنبه، ويحتفظ بها من أضحية العيد مملحة لهذا الغرض، وقد يكون معها شيء من القديد مع أمعاء الكبش المجفف التي يصنع منها ما يعرف "بالكرداس".

وعن عادة شراء الفواكه اليابسة فقد اعتادت العديد من الأسر المغربية في عاشوراء شراء كميات لا بأس بها من الفواكه الجافة، وتقسيمها إلى حصص متساوية حسب عدد أفراد الأسرة؛ فتقدم لهم في هذه المناسبة، على أن الأم المغربية في عاشوراء تحرص كل الحرص على تذكر بناتها المتزوجات اللواتي تبعث لهن بنصيبهن من الفواكه إلى بيوتهن أو تحتفظ به لهن به عند زيارتهن لها.

ومن عاداتنا أيضا في المغرب أن الشاب الخاطب عليه أن يتذكر خطيبته، ويهديها في هذه المناسبة بعض الحلي أو بعض الملابس التقليدية المصحوبة بالفواكه اليابسة.

وهناك أيضا عادات تبعث على الدهشة منها زمزم ففي المدن، ومع طلوع الشعاع الأول من "يوم زمزم"، تبدأ القطرات الأولى من المياه، التي تحول الأزقة والشوارع إلى أنهار صغيرة في التدفق، فيقوم أول من يستيقظ من النوم برش الباقين بالماء البارد، ويخرج عدد من الأطفال والشبان، خصوصا داخل الأحياء الشعبية، إلى الشوارع لرش كل من يمر بالماء.
ومع مرور الساعات الأولى من الصباح يحمى وطيس "معارك المياه"، خصوصا بين الأصدقاء والجيران. ومن يرفض الاحتفال بماء "زمزم" من المارة، عبر رش القليل منه على ثيابه، قد يتعرض لتناوب عدد من المتطوعين لإغراق ثيابه بكل ما لديهم من مياه.
ورغم قساوة "اللعبة" فإن الكبار في الغالب يباركونها، ويعتبرونها جزء من الاحتفال بهذا اليوم، الذي يتوج بوجبة "الكسكس المغربي" في كل البيوت، تفوح منه رائحة القديد، الذي تم تخزينه من أضحية عيد الأضحى، خصوصا لهذا اليوم.
أما في البوادي والأرياف المغربية فإن الماء في هذا اليوم يحتفظ بقدسية خاصة، حيث يلجأ الفلاحون وربات البيوت، مع إعلان الفجر، وقبل أن تطلع الشمس، إلى رش كل ممتلكاتهم بالماء البارد، حيث ترش قطعان الغنم والبقر، وغيرها، كما ترش الحبوب المخزنة، وجرار الزيت والسمن.
وتقوم الأمهات برش وجوه الأبناء، الذين يتنافسون في الاستيقاظ المبكر، لأنهم يؤمنون، حسب ما يردده الأجداد، بأن من يكون هذا اليوم نشيطا يقضي كل عامه على نفس المنوال، ومن يتأخر في النوم إلى أن تشرق الشمس، يغرق في الكسل ما تبقى من العام.
كما أن الكبار في الأرياف المغربية يؤمنون بأن كل ما مسه الماء هذا اليوم ينمو ويبارك الله فيه، وما لم يمسسه ماء قد يضيع خلال نفس العام.
وتعود عادة رش المياه، التي يحتفل بها أغلب المغاربة، ويعتقدون أنها جزء من العادات الإسلامية، إلى طقوس من الديانة اليهودية، كان يتمسك بها اليهود المغاربة منذ قرون، حيث أنهم يعتقدون أن الماء كان سببا لنجاة نبيهم موسى عليه السلام في هذا اليوم من بطش فرعون وجنوده، كما يؤكد ذلك القصص القرآني، وهو الأمر الذي استوعبه الإسلام وجعله جزء منه، بالتنصيص على صوم يوم عاشوراء، ابتهاجا بإنقاذ الله لنبيه موسى، مع زيادة صوم يوم التاسع من شهر محرم، لمخالفة اليهود والتميز عنهم.
ويعتقد اليهود المغاربة بأن الماء في هذا اليوم يتحول إلى رمز للنماء والخير والحياة، مما يجعلهم حسب ما راج في بعض الكتابات، التي تناولت تاريخ اليهود المغاربة، يحتفون بالماء، ويتراشق به أطفالهم طيلة اليوم، في حين يرش به الكبار أموالهم وممتلكاتهم، أملا في أن يبارك الله لهم فيها.

صراحة قرائي الكرام صدق من قال "إذا كنت في المغرب فلا تستغرب".

Aucun commentaire: