vendredi 25 mai 2007

برج الأحلام الصامد

" لم أتوقع أن أحلامي اللامتناهية ستبدأ بمعاناة يومية مع حافلات مهترئة", عبارات حزينة كانت ملخصا لكلام عرف المرارة و الحسرة قبل أن يتناثر في الهواء, صاحبته حكيمة عفار
من مواليد الدار البيضاء ( 28 سنة).

بعد أن حازت على شهادة الباكالوريا سنة 1999 وانفلتت من قيود روتين المدرسة بنت برجا عاليا من الأحلام, حول الإنتقال إلى مرحلة البحث العلمي والأكاديمي, لكن هذا البرج لم تمر عليه سوى عطلة الصيف لينهار مع أول عائق صادفها وهو نذرة الحافلات, التي تعتبر وسيطا بينها وبين أحلامها, كانت تدرس العلوم الإقتصادية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية, حيث تضطر إلى الخروج كل صباح على الساعة السادسة والنصف معرضة نفسها لصفعات الطقس البارد والظلام الحالك, لتستقل حافلة رقم800 هذه الأخيرة التي تشهد محطتها اكتضاضا جماهيريا تحس من خلاله كأنك وسط مدرجات لملعب كرة القدم, إلا أن المحطةلا تشهد أدنى تشجيعات أو هتافات بل صمت جامد يسود المكان, ووجوه تطغى عليها ملامح الغضب والسخط, لكن مع وصول الحافلة ينقلب ذاك الركودإلى حيوية مبالغ فيها, يتسارع الطلاب راكضين نحوها, ليذكرنا المشهد بفيلم وثائقي حول كيفية اصطياد الأسود للغزلان, نفس المشهد ونفس السيناريو لكن مع اختلاف في الشخصيات, أما حكيمة وكعادتها تنتظر إذا ما ظل مكان فارغ بين أركان الحافلة تقف فيه حتى ولو كان بجانب الباب, لأنها تعلم مليا أنها لن تحصل على الأفضل, لتبدأ بعد ذلك رحلة السفر إلى المحمدية التي تستغرق ساعة على الأقل مستأنسة بسيناريوهات متكررة من الواقع المعيش والروتين اليومي, هذا اكتشف أن أحدا سرق محفظته, وذاك تشاجر مع موزع التذاكر, والآخر غاضب على وضعه وأخرى تتعرض للتحرش من طرف شاب..., كلها مشاهد ألفت واعتادت حكيمة رؤيتها كل صباح قبل توجهها للجامعة, تارة تلعب دور المشاهد من أبعد زاوية دون أدنى تدخل أو مشاركة, وتارة أخرى تكون ضمن أبطال السيناريو.

كان اليوم الجيد عند حكيمة هو حين تصل إلى الجامعة قبل بداية المحاضرة, بحكم أنها كانت تصل في بعض الأحيان في وقت متأخر والذي يجعلها تعكس الإتجاه نحو مقصف الجامعة, لأنها كانت تعرف مليا أن الأستاذ لن يقبل عذر تأخيرها ولن يسمح لها بالدخول مهما كانت الظروف.

مرت أربع سنوات بنفس الوثيرة والروتين مع كثير من الصبر والجلد, حازت حكيمة على الإجازة في العلوم الإقتصادية رغم المعانات والعراقيل.

انتقلت بعد ذلك من الخط رقم 800 لتتجه صوب الخط 33 المتجه وسط مدينة البيضاء, لأنها اشتغلت موظفة بإحدى المؤسسات الخصوصية, كانت تأمل في الخط الجديد خيرا بحكم أن معظم من يستقله موظفون, لكن هيهات فالمشاهد التي ألفتها لازالت تلاحقها أينما حلت وارتحلت, مادامت لن تغير وسيلة النقل "التأخر في الحافلات خاصة في فصل الشتاء الذي من المفروض أن تتوفر فيه بكثرة, عدم الجودة, عدم الإحترام من طرف الموظفين(موزع التذاكر, والمراقبين), التحرش, السرقة, قلة الإحترام, والأدهى من ذلك طول مسافة الطريق..."

كانت ولازالت حكيمة عفار تعاني في صمت من سوء وسائل النقل مثلها مثل العديد من المواطنين والمواطنات, لكنها رغم ذلك لازالت تحتفض بابتسامتها الدافئة, والتحدي المشع من بريق عينيها, وتحتفض أيضا ببرج أحلامها الذي أعادت ترميمه ثانيا.


Aucun commentaire: